هل تأملت البحر يوماً
كان أحد الرسامين التصويريين المهرة يعاني من كساد في ترويج لوحاته بسبب ظهور مدرسة جديدة تعتمد على الإيحاء وترك البحث عن المعنى للمشاهد من خلال رسم بعض التراكيب الغريبة والغير متربطة كرأس بعين واحدة فوق فرع لشجرة جافة تحيط جزورها بصخور سوداء في وادي أحمر يمتلأ بالتشققات النارية و سميت هذه المدرسة بالفن السريالي بلإضافة إلى الفن التكعيبي الذي يهتم بالمكعبات و المجسمات الهندسية الثلاثية الأبعاد متداخلة فيما بينها و الفن التشكيلي و الفن الحلزوني و . . . إلخ ، وحينما يأس هذا الفنان من مسايرة هذا الفن الجديد الذي كان يعتبره لخبطيشن في الرسم لجأ إلى عرض لوحاته على أرصفة الشوارع وكان يقبل بالأسعار الزهيدة التى لاتتناسب مع قيمة لوحاته إلى أن مر عليه رجل وقف مبهوراً أمام لوحاته ولكنه لم يشتري منها شيئاً بل سأله عن سبب عدم قيامه بعرضها في أحد المعارض المتخصصة والتى تقام بصفة دورية ويتم دعوة المهتمين بالأعمال الفنية إليها فحكى له الفنان مشكلته وما أصاب الفن والذوق من عدم تقدير لتلك الأعمال التصويرية ففكر الرجل قليلاً ثم أشار عليه بتغيير منهجه في الرسم والتحول للمدرسة الجديدة و سيساعده في ذلك ولكن الرسام الموهوب رفض لأنه لايشعر بالفن الجديد ولايحسه ولذلك لايستطيع أن يرسم تلك الخزعبلات و يقف في معرض ليحدث رواد المعرض عنها و يقنعهم بموهبته فيها ؛ فقال له الرجل لا عليك من هذا سنتدبر الأمر و لكن عليك ان تعد مجوعة من اللوحات بها بعض الشخابيط والألوان المتداخلة والمتنافرة والمزعجة وترسم ضمنها تصوير لأغراض غير واضحة المعالم بحيث لايستطيع من يراها أن يحدد مابها و سوف اتكفل بكافة النفقات و التكاليف ؛ فوافق الرسام رغم أنفه فهو في حاجة للعمل والمال ، ونفذ الرسام المهام المطلوبة واقام له الرجل معرض دعا اليه كافة المهتمين بالفن الحديث و قال للرسام ستتجول في المعرض هادئاً مبتسماً بين لوحاتك وإن سألك أي أحد عن معنى أي لوحة أو أي تفاصيل عنها ستنظر له نظرات شاردة وتقول له ( هل تأملت البحر يوماً ) ، و فهم الرسام الدرس و نفذ الوصية و نجحت الفكرة و قال عنه النقاد أنه موهبة فذة في عالم الفن السريالي و بيعت كل لو حاته بمبالغ كبيرة . . . و جاء إليه الرجل لطلب نصيبه من هذا العمل و ليتقاسم معه الأرباح فنظر له الرسام بنظرة شاردة وقال له ( هل تأملت البحر يوماً ) .