خطبة الجمعه 29/4/2011 الحمد لله رب العالمين { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } اللهم لك الحمد كله ، ولك الشكر كله ، خلقتنا من عدم ، وفضلتنا على كثير ممن خلقت تفضيلا ، وهديتنا للإسلام ولولاك ما اهتدينا ، ولا صلينا ولا زكينا ، كثر خيرك وفاض عطاؤك وعجز العباد عن شكرك ، فلك الحمد حتى ترضى , ولك الشكر بعد الرضا ، أنت ولينا ومولانا وخالقنا ورازقنا ومخرجنا بفضلك من الظلمات إلى النور { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً }
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، من أيقن بها فاز ، ومن حاد عنها هلك ، بها أرسل الله رسله إلى الناس كافة { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }
وجعله بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً
فهنيئا لمن اهتدى بهديه ، والبشرى لمن سار على نهجه ، والفوز والفلاح لمن وفقه الله لدينه ، وأطاع ربه باتباعه { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وزوجاته وآل بيته الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
أيها المسلمون الموحدون :
أيها الأحبة في الله : فكرت طويلا في موضوع خطبة اليوم ، ووقفت على أمور كثيرة ، وكلما ارتاحت نفسي إلى موضوع ، واستحضرت عناصره في رأسي ، إلا ورأيت أن غيره أولى منه ، حتى هداني ربي - سبحانه جل شأنه - إلى موضوع هام وهو يتعلق بالحقوق التي تحتمها الفطرة وتهتم بها الشريعة الغراء .
كحقوق المسلمين وأولياء الأمور والأقارب والأرحام والجيران والزوجات والأبناء والوالدين وحق نبينا وحق الإسلام ومع كل ذلك رأيت من هو أعظم حقا من كل ذلك ، أتدرون من يكون هذا الذي هو أعظم حقا من كل ذلك ؟
إنه الله رب العالمين ، حقه علينا أحق الحقوق وأوجبها وأعظمها ؛ لأنه حق الله تعالى الخالق العظيم المالك المدبر لجميع الأمور، حق الملك الحق المبين الحي القيوم الذي قامت السماوات والأرض بأمره ، خلق كل شيء فقدره تقديرا بحكمة بالغة ، حق الله الذي أوجدك من العدم ولم تكن شيئا مذكورا
حق الله الذي رباك بالنعم وأنت في بطن أمك في ظلمات ثلاث لا يستطيع أحد من المخلوقين أن يوصل إليك غذاءك ومقومات نموك وحياتك ، أدر لك الثديين ، وهداك النجدين ، وسخر لك الأبوين ، أمدك وأعدك .. أمدك بالنعم والعقل والفهم ، وأعدك لقبول ذلك والانتفاع به
( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
فلو حجب عنك فضله طرفة عين لهلكت ، ولو منعك رحمته لما عشت ، فإذا كان هذا فضل الله عليك ورحمته بك فإن حقه عليك أعظم الحقوق ، لأنه حق إيجادك وإعدادك وإمدادك ، إنه لا يريد منك رزقاً ولا إطعاماً : (لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى
وإنما يريد منك شيئا واحدا مصلحته عائدة إليك ، يريد منك أن تعبده وحده لا شريك له : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)
يريد منك أن تكون عبدا له بكل معاني العبودية ، كما أنه هو ربك بكل معاني الربوبية ، يريدك أن تكون عبداً متذللاً وخاضعا له ، ممتثلا لأمره ، مجتنبا لنهيه ، مصدقا بخبره ، لأنك ترى نعمه عليك سابغة تترى ، أفلا تستحي أن تبدل هذه النعم كفراً .
أتصدق أخي الكريم أنه ما عصى عبد ربه إلا بنعمة أنعم بها عليه { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ }
فكان مصيرهم كما أخبر رب العالمين {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ }
فهذا عبد قد أعطاه الله الملك وأنعم عليه وجعل العباد تحت يده ، فذكر الملك ونسي مالك الملك ، وذكر النعم ونسي المنعم المتفضل ، فبغى وتجبر ونسب الملك إلى نفسه وأنكر خالقه ورازقه بل وادعى أنه أقوى من ربه الذي في السموات . فأرسل الله إليه رسوله وخليله إبراهيم – عليه السلام – ليذكره قبل فوات الأوان ويبلغه أن للكون إلها خالقا رازقا مستحقا للعبادة وحده لا شريك له ويسجل لنا القرآن الكريم وقائع الحوار الذي دار بينهما فيقول سبحانه :
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }
ويأتي عبد آخر ذليل حقير يتجرأ على ربه بل ويحشر الناس ويجمعهم أمامه ويقول بكل بوقاحة وكبر وغطرسة أنه الرب الأعلى .
أرسل الله له رسوله موسى – عليه السلام – ليذكره وينذره وأوصاه بأن يقول له قولا لينا رغبة في هدايته ورأفة به { فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى
اذهب ياموسى إلى فرعون { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى} وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى. فَكَذَّبَ وَعَصَى} ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى{ فَحَشَرَ فَنَادَىفَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى
{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ }
فتمادى في غيه وضلاله وكفره ولم يقف عند ادعاء الربوبية بل تعداها إلى مقام آخر وأعلن أنه الإله المعبود وطلب ممن هم في ملكه أن يعبدوه فقال كما أخبر رب العزة والجلال :
{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي }
بل وبعد ذلك يتجرأ حسالة البشر وهم من غضب الله عليهم ولعنهم وجعل منهم القردة والخنازير ، فتطاولوا على ربهم فقالوا يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا:
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ }
وحين بسط الله عليهم الرزق ووسع لهم في معيشتهم ذكروا النعمة ونسوا المنعم المتفضل بل وتطاولوا على من أنعم عليهم ورزقهم من فضله واتهموه بالفقر{ لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ }
سبحانك ربي ما أحلمك ..... سبحانك ربي ما أصبرك ...... سبحانك ربي ما أعظمك .
بل ونجد من بيننا وفي عصرنا هذا من يسب الدين ويسب الدهر ويسب الرب جل وعلا ولا يستحي ممن رفع السماء بلا عمد ، ونجد من يستحل ما حرم الله من الربا والتكشف والتعري والرشوة والخمر والمخدرات والدخان ومن يتجرأ على ربه فيقول هذا حلالا وهذا حراما بلا علم ، ونسي أن الله وحده هو من يملك التحليل والتحريم { قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ }
وحين حرم رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – على نفسه شيئا مباحا عاتبه ربه في ذلك فقال له { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } التحريم1
بل ونهى المؤمنين أن يتجاوزوا حدودهم فيحرموا على أنفسهم شيئا حلالا طيبا من تلقاء أنفسهم فقال سبحانه وتعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }
أيها الأحبة في الله :
لو كان لأحد من الناس فضل عليكم لاستحييتم أن تبارزوه بالمعاصي وتجاهروه بالمخالفة ، فكيف بربكم الذي كل فضل عليكم فهو من فضله ؟ وكل ما يندفع عنكم من سوء فمن رحمته بكم
( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ)
والآن مع جوهر الموضوع : ما حق الله على عباده ؟
روى البخاري ومسلم في الصحيحين واللفظ لمسلم وكذا رواه أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجه في السنن :
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ كُنْتُ رِدْفَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم- لَيْسَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ إِلاَّ مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ « يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ».
قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ.
ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ « يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ».
قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ.
ثُمَّ سَارَ سَاعَةَ ثُمَّ قَالَ « يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ».
قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ.
قَالَ « هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ».
قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ « فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ».
ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ « يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ».
قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ.
قَالَ « هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ » ؟
قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ « أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ ».
أعظم عبادة - يقوم بها العبد - : أن يوحد ربه فيعتقد موقنا جازما أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه أمر سهل ويسير أن تقولها بلسانك موقنا بها في قلبك مترجما بها أفعالك محركا بها جوارحك : لا إله إلا الله لا إله إلا الله لا إله إلا الله
روى مالك في موطئه والبيهقي والترمذي في السنن عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ».
أخي المسلم الكريم : حق الله عليك أن تعبده وحده ولا تشرك به شيئا ، تعبده كما أمر فتحل حلاله وتحرم حرامه ، وتقف عند حدوده ، وتتأدب مع المعبود فلا تفتري على الله وتعبده بما لم يشرع لك ، ولا تفسر الدين على هواك ، وأن تأخذ العلم من العلماء ودعك من فلسفات وأراء الجهلاء واجعل منهجك كتاب الله وسنة رسوله بفهم العلماء الثقات والفقهاء من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – وإياك ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، أو كما قال أدعوا الله .
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، صلوات الله سلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وبعد :
أيها الأحبة في الله : إن عقيدة الإسلام عقيدة مثلى ، وإيمان بالحق ، وعمل صالح مثمر، عقيدة قوامها المحبة والتعظيم ، وثمرتها الإخلاص والمثابرة ، والعبادات في الإسلام سهلة ميسورة ، إنها والله هينة وطيبة تطيب بها نفس المؤمن ويطمئن لها قلبه إنها :
خمس صلوات في اليوم والليلة فرضها الله علينا وأبلغ بها نبيه ليلة الإسراء والمعراج فكل فرائض الإسلام أوحي الله بها إلى نبيه بواسطة الروح الأمين جبريل - عليه السلام - إلا الصلاة فرضها الله بلا واسطة ومن فوق سبع سموات وهناك عند سدرة المنتهى حيث ينتهي علم الخلائق ، وفي مكان لا يعلمه إلا الله حيث تقدم رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – بإذن ربه بعدما توقف أمين الوحي وارتقى حبيب الرب محمد – صلى الله عليه وسلم – وقال محييا ومعظما ربه : التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله .
فأجابه رب العزة : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته .
وسمعت الملائكة فلم يفتها أن تنال من شرف السلام والتحية فقالت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
في هذه اللحظات المباركة فرض الله الصلوات الخمس على نبينا وعلى أمته - خير أمة أخرجت للناس - خمس صلوات في اليوم والليلة يكفر الله بهن الخطايا ويرفع بهن الدرجات ويصلح بهن القلوب والأحوال يأتي بهن العبد بحسب استطاعته : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(التغابن:)
روى البخاري وغيره عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَتْ بِى بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّلاَةِ فَقَالَ « صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ » .
أما يستحي عبد لله يدعوه موالاه ليشرفه بالوقوف بين يديه ، فلا يجيب ولا يعتذر ولا يبالي ، بل وينشغل عن سيده وخالقه حين يسمع نداء الله (( الله أكبر ))
{ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }
روى مسلم في صحيحه عنُ جَابِر – رضي الله عنه – قال : سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ »
وأسأل من لا يصلي لماذا لا تصلي ؟ أهذا أمر شاق وعمل صعب
أهو كبر منك على ربك رب العالمين واستهانة به ؟
أتضن على ربك أن تسير إليه كل يوم خمس مرات وتقف بين يديه ؟
أم أنك لا تبالي على أي حال ستكون يوم القيامة ؟
أم أنك لا تستشعر شرف الوقوف بين يدي الله ؟
أم أنك لم تتعلم كيف يكون الأدب مع سيد الكون وخالق السماوات والأرض وما بينهما حين ينادي عليك مناديه ( حي الصلاة .. حي على الفلاح ) ؟
أخي المسلم : يا من تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إذا سمعت مناد الله يناديك لربك فأجب وأقبل فرحا مسرورا متطهرا مجيبا ملبيا ولسان حالك يقول : لبيك ربي وخالقي وسيدي ومولاي أنا عبدك المذنب جئت إليك يا غفور ويارحيم أنا عبدك الضعيف الذليل جئت إليك يا قوي يا عزيز وامش إلى المسجد بخشوع وتذلل فإنها والله العزة إنك تقصد باب الكريم الغفور الرحيم العزيز الحكيم وقل مثلما يقول المؤذن ولسان حالك يقول :
{ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ }آل
ثم ماذا يا عباد الله ؟
زكاة وهي جزء يسير من مالك تدفع في حاجة المسلمين للفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين وغيرهم من أهل الزكاة .
صيام شهر واحد في السنة ، ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام آخر ، ومن لم يستطع الصيام لعجز دائم يطعم مسكينا عن كل يوم .
حج البيت الحرام مرة واحدة في العمر للمستطيع تقصد فيها ربك بالتوجه إلى بيته بالزيارة . هل تخيلت نفسك حين تنال شرف التوجه والقصد والزيارة لبيت الله الحرام وهناك وفي عرفات تنضم لوفد الرحمن وفي صعيد عرفات تتجلى الرحمات وتغرب شمس هذا اليوم وأصوات الحجيج تبتهل بالدعاء والتهليل والتحميد والبكاء والتضرع وفي عشية هذا اليوم ينظر رب العزة والجلال إلى ضيوفه ضيوف الرحمن – جعلك الله منهم - ويقول لملائكته انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ضاحين ، جاؤوا من كل فج عميق ، يرجون رحمتي ويخافون عذابي ، أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم .
يقولها ويشهد ملائكته حين يأتي وقت الإفاضة من عرفات : أفيضوا عبادي مغفورا لكم .
كم هي لحظات عظيمة لا يشعر بها إلا من عمَّر الله قلبه بالإيمان واستشعرها بقلبه ورآها واقعا .
هذه هي أصول حق الله تعالى وما عداها فإنما يجب لعارض : كالجهاد في سبيل الله، أو لأسباب أخرى كنصرة المظلوم .
أنظر يا أخي هذا الحق اليسير عملا ، الكثير أجرا ، إذا قمت به كنت سعيدا في الدنيا والآخرة ونجوت من النار ودخلت الجنة ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)(آل عمران:)
اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ولا تعذبنا فإنك علينا قادر ، اللهم اغفر لنا ما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا ، اللهم إنا ضعفاء فقونا ، وفقراء فأغننا ، وجهلاء فعلمنا ، وانفعنا بما علمتنا .
اللهم اهدنا إليك ووفقنا لطاعتك وارزقنا ووفقنا لعمل صالح قبل الموت تقبضنا عليه وتختم لنا به يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث ومن عذابك نستجير ولا حول ولا قوة إلا بك .
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك يا موالانا سميع قريب مجيب الدعوات .
اللهم لا تدع لنا مريضا إلا شفيته ، ولا فقيرا إلا أغنيته ، ولا مذنبا إلا هديته ، ولا تائبا إلا قبلته ، ولا مكروبا إلا فرجت كربه . ولا مديونا إلا قضيت دينه ، ولا غائبا إلا بالسلامة إلى أهله رددته .
عباد الله : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }
{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }