الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام
قال تعالى :( إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدكم عن ذكر الله و عن الصلاة فهل أنتم منتهون ) المائدة 90-91.
و الخمر : كل ما يسكر و الميسر القمار و الأنصاب كل ما نصب كي يعبد من دون الله من حجر أو شجر أو وثن أو قبر أو علم و الازلام القداح كانوا يستقسمون بها الأمور أي يطلبون بها علم ما قسم لهم .
وهذه قد تكون أقداحا أو سهاما أو حصيات أو غير ذلك يكون مكتوبا على واحد منها أمرني ربي و على الآخر نهاني ربي فإذا شاء أحدكم زواجاً أو سفراً أو نحو ذلك أدخل يده في الشيء الذي فيه هذه القداح أو السهام فإن خرج الذي فيه الأمر بالفعل فعل و لأن خرج الآخر ترك.
فالشيطان يحض الناس على هذه الأربع لأنها ضلال في نفسها و تؤدي إلى نتائج وخيمة و آثار سيئة فالخمر تفقد شاربها عقله فإذا فقد عقله فعل الموبقات و ارتكب المحرمات و ترك الطاعات و آذى عباد الله .
ذكر ابن كثير في تفسيره عن عثمان بن عفان قال: اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث و إنه كان رجلا فيمن خلا من قبلكم يتعبد و يعتزل الناس فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة فدخل معها فطفقت كلما دخل باباً تغلقه دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام و باطية خمر.
فقالت إني والله ما دعوتك لشهادة و لكن دعوتك لتقع علي أو تقتل هذا الغلام أو تشرب هذا الخمر فسقته كأسا فقال زيدوني فلم يرم حتى وقع عليها و قتل النفس فإنها لا تجتمع هي و الإيمان أبداً إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه .
و روى ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و النحاس في ناسخه عن سعد بن أبي وقاص أن رجلاً من الأنصار صنع طعاماً لبعض الصحابة ثم سقاهم خمرا قبل أن ينزل تحريمها فلما سكروا تفاخروا فتعاركوا و أصاب سعد بن أبي وقاص من هذا العراك أذى فقد ضربه أحدهم بلحى بعير فأصاب أنفه فأثر فيها أثراً صاحبه طيلة حياته .
و قد رأينا الرجل الذي بلغ من الكبر عتيا عندما يشرب الخمر يتصرف تصرفات المجانين و يضحك الكبار و الصغار و يفترش الطريق تدوسه الناس بأقدامها.
و الميسر مرض خطير كالخمر إذا تأصل في نفس الإنسان صعب الشفاء منه و هو سبيل لضياع الوقت و المال و الميسر ينشيء الأحقاد و يدفع إلى الحرام.
و الشيطان يدعو إلى إقامة النصب كي تتخذ بعد ذلك آلهة تعبد من دون الله و قد انتشرت عبادة الأنصاب قديماً و حديثاً و الشياطين تلازم هذه الأصنام و تخاطب عبادها في بعض الأحيان و تريهم بعض الأمور التي تجعل عابديها يثقون بها فيصدقونها بالحاجات و يدعونها في الكربات و يستنصرون بها الحروب و يقدمون لها الذبائح و الهدايا و يرقصون حولها و يطربون و يقيمون لها الأعياد و الإحتفالات و قد أضل بهذا الكثير كما قال إبراهيم داعيا ربه( و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) إبراهيم 35. و لا تزال عبادة القبور منشرة بين الناس يقصدونها بالدعاء و الألطاف و الذبائح... و انتشرت بدعة جديدة اليوم يضحك بها الشيطان على بني الإنسان تلك نصب الجندي المجهول و يزعم أنه رمز للجندي المقاتل و يكرمونه بالهدايا و الورود و التعظيم كلما زار البلاد التي فيها مثل النصب زعيم جاء هذا النصب و قدم له هدية و كل هذا من البدع الشركية التي هي من عمل الشيطان :
الاستقسام بالأزلام :
الأمور المستقبلية من مكنون علم الله و لذلك شرع لنا الرسول صلى الله عليه و سلم الاستخارة إذا أردنا سفرا أو زواجا أو غير ذلك نرجو من الله أن يختار لنا خير الأمور.
و أبطل الاستسقام بالأزلام فإن السهام و القداح لا تعلم أين الخير و لا تدريه فاستشارتها شرك اكبر وخلل في العقل و قصور في العلم .
و مثل ذلك زجر الطير كان من يريد سفراً و إذا خرج من بيته و مر بطائر زجره فإن تيامن كان سفراً ميموناً و إن مر عن شماله كان سفرا مشئوماً...، و كل ذلك من الضلال والجاهلية .
السحـــر
و مما يضل به الشيطان أبناء آدم السحر والذي يخرج من الملة ويغضب الرب سبحانه ، فهم يعلمونهم هذا العلم الذي يضر و لا ينفع و يكوم هذا العمل سبيلا للتفريق بين المرء و زوجه و التفريق بين الزوجين يعده الشيطان من أعظم الأعمال التي يقوم بها جنوده كما سبق أن ذكرنا.
لأن التفريق بين افراد الأسرة تكسير للبنة من المجتمع الاسلامي وتخريب البيت الذي ينتج منه الجيل المسلم الواعي .
قال تعالى :( و ما كفر سليمان و لكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر و ما أنزل على الملائكة ببابل هاروت و ماروت و ما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منها ما يفرق بين المرء و زوجه و ما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله و يتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم و لقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق و لبئس أنفسكم و لو كانوا يعلمون )البقرة 102.
هل للسحر حقيقة
اختلف العلماء في ذلك فمن قائل: إنه تخييل له :( فإذا حبالهم و عصيتهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ) طه 66. و من قائل : إن له حقيقة كما دلت عليه آية البقرة و الصحيح أنه نوعان: نوع تخييل يعتمد على الحيل الظاهرية و خفة الحركة ، و نوع له حقيقة يفرق به بين المرء و زوجه و يؤدي به بعض الأعمال الشيطانية كزرع الكراهية و الأمراض النفسية...
ضعف الإنسان :
في الإنسان نقاط ضعف كثيرة هي الحقيقة أمراض و الشيطان يعمق هذه الأمراض في نفس الإنسان بل تصبح مداخله الإنسانية و من هذه الأمراض: الضعف و اليأس و القنوط و البطر و الفرح و العجب و الفخر و الظلم و البغي و الجحود و الكنود و العجلة و الطيش والعجلة و السفه و البخل و الجدل بغير علم ، و الشك والريبة و الجهل و الغفلة و اللدد في الخصومة و الغرور و الهلع و الجزع، و المنع و التمرد، و الطغيان و تجاوز الحدود، و حب المال، و الافتتان بالدنيا
والإسلام هو إصلاح النفس و التحصن والتخلص من أمراضها و طاعة الله تعالى وتنفيذ امره خير سبيل للحياة وخير طريق وجد للنفس البشرية التي خلقها الله سبحانه وخلق لها وسيلة العيش التي تناسبها ، لتتخلص من تلك الأمراض ولتفوز بالجنة في الحياة الخالدة بإذن الله تعالى .
أما اتباع الهوى، و ما تمليه النفس الأمارة بالسوء فإنه سهل ميسور الأول مثله مثل من يصعد بصخرة إلى أعلى الجبل و مثل الثاني كمن يهوي من أعلى الجبل إلى أسفله و لذلك كانت الاستجابة للشيطان سهلة وكثيرة و وجد دعاة الحق صعوبة في الدعوة إلى الله تعالى.
و نحن نسوق إليك بعض كلام السلف لنوضح كيف يستغل الشيطان نقاط الضعف في الإنسان .
حكى المعتمر بن سليمان عن أبيه أنه قال : ذكر لي الشيطان الوسواس ينبعث في قلب ابن آدم عند الحزن و الفرح، فإذا ذكر الله خنس
و قال بن منبه : قال قائل للشيطان أن الوسواس ينبعث في قلب ابن آدم أعون عليهم قال الحدة ( صفة تعتري الإنسان كالغضب) و إن العبد إذا كان حديدا قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة .
و يذكر ابن الجوز أيضا عن ابن عمر: أن نوحاً سأل الشيطان عن الخصال التي يهلك بها الناس فقال : الحسد و الحرص .
و ليس بعيدا عنا ما فعله الشيطان بيوسف و إخوته و كيف أوغر صدور الإخوة على أخيهم و قد قال يوسف ( و قد أحسن بي إذ أخرجني من السجن و جاء بكم من البدو بعد أن نزغ الشيطان بيني و بين إخوتي ) يوسف 100.
النساء و حـب الدنيا
و قد أخبرنا الرسول صلى الله عليه و سلم أنه ما ترك بعده فتنة أشد على امته من النساء و لذلك أمرت المرأة بالقرار في بيتها وستر جسدها كله و أمر الرجال بغض أبصارهم و نهى الرسول صلى الله عليه و سلم عن الخلوة بالمرأة و أخبر أنه ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما و في سنن الترمذى بإسناد صحيح :( المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) كما امرت بعدم الخضوع بالقول لكي لا يطمع الذي في قلبة مرض ولا يجد الشيطان سبيلا لزرع الفتنة .
و نحن اليوم لا نشك اننا في نهاية الزمان لاننا نشاهد عظم فتنة خروج النساء كما وصفهم الرسول صلى الله عليه و سلم كاسيات عاريات وقامت مؤسسات في الشرق و الغرب تستخدم جيوشا من النساء و الرجال لترويج الفاحشة بالصورة المرئية و القصة الخليعة و الأفلام التي تحث على الفاحشة و تدعو لها!
أما حب الدنيا فهو كل خطيئة و ما سفكت الدماء و هتكت الأعراض و غصبت الأموال و قطعت الأرحام إلا لأجل حيازة الدنيا و الصراع على حطامها الفاني و حرصاً على متاعها الزائل .
الغناء و الموسيقى :
الغناء و الموسيقى يفسد بهما الشيطان القلوب و يخرب النفوس و يقول ابن القيم : و من مكايد عدو الله و مصايده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم و العقل و الدين، و صاد بها قلوب الجاهلين و المبطلين سماع المكاء و التصدية و الغناء بالآلات المحرمة الذي يصد القلوب بها عن القرآن و يجعلها عاكفة على الفسوق و العصيان فهو قرآن الشيطان و الحجاب الكثيف عن الرحمن و هو رقية اللواط و الزنى كاد به الشيطان النفوس المبطلة و حسنه لها مكراً و غروراً و أوحى لها الشبه الباطلة على حسنة فقبلت وحيه و اتخذت لأجله القرآن مهجوراً....
و من عجب أن بعض الناس الذين يدعون التعبد و يتخذون الغناء و الرقص و التمايل طريقا للتعبد و يذهبون إلى السماع الشيطاني و قد عد ابن القيم لهذا السماع بضعة عشر اسماً اللهو، و اللغو،و الباطل و الزور و المكاء و التصدية و رقية الزنى و قرآن الشيطان و منبت النفاق في القلب و الصوت الأحمق و الصوت الفاجر و صوت الشيطان و مزمور الشيطان و السمود .
و أطال النفس في بيان تحريمه و ما فيه من زور و بهتان فراجعه إن شئت .
الجرس مزامير الشيطان :
أخبرنا الرسول صلى الله عليه و سلم أن : ( الجرس مزامير الشيطان ). رواه مسلم و في صحيحه عن أبي هريرة . و لذا فإن الملائكة ( لا تصحب رفقة فيها كلب و لا جرس ). رواه مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة.
تهاون بعض المسلمين في تحقيق ما أمروا به :
إذا التزم المسلم فإن الشيطان لا يجد سبيلا لإضلاله و العبث به فإذا تهاون و تكاسل في بعض الأمور فإن الشيطان يجد فرصته لنصب الشباك و ثم قيادة النفس الى الهوى والى كل باطل ليسوقها معه الى جهنم حسدا من عنده ونكاية ببني آدم .
فالدخول في الإسلام في كل الأمور هو الذي يخلص من الشيطان فمثلا إذا كانت صفوف المصلين مرصوصة فإن الشياطين لا تستطيع أن تتخلل المصلين فإذا تركت فرج بين الصفوف فإن الشياطين تتراقص في تلك الفرج .
الوسوســـة
الشيطان يستطيع أن يصل إلى فكر الإنسان و قلبه بطريقة لا ندركها و لا نعرفها يساعده على ذلك طبيعته التي خلق عليها وهذا هو الذي نسميه الوسوسة وقد أخبرنا الله بذلك إذ سماه ( الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس ) الناس 4- 5. قال بن كثير في تفسيره : ( الوسواس الخناس ): الشيطان الجاثم على قلب ابن آدم فإذا سها و غفل وسوس فإذا ذكر الله خنس .
و قد ثبت في الصحيحين عن أنس أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) .
و بهذه الوسوسة أضل الشيطان آدم و أغواه بالأكل من الشجرة :( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد و ملك لا يبلى ) طه 120.
و قد تتلبس الشياطين بعض البشر و قد يحدثون الإنسان و يسمعونه و يأمرونه و ينهونه بمرادهم ....
اعاذنا الله واياكم من الشياطين ومن همزاتهم و من وسواسهم .
الكابتن سامى
منقول [b]