قوله تعالى : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل
يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم
قوله تعالى : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم .
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه أي : ونسي أنا أنشأناه من
نطفة ميتة [ ص: 55 ] فركبنا فيه الحياة . أي : جوابه من نفسه حاضر ، ولهذا
قال - عليه السلام - : نعم ويبعثك الله ويدخلك النار ففي هذا دليل على صحة
القياس ، لأن الله - جل وعز - احتج على منكري البعث بالنشأة الأولى .
قال من يحيي العظام وهي رميم أي : بالية . رم العظم فهو رميم ورمام . وإنما
قال " رميم " ولم يقل " رميمة " ; لأنها معدولة عن فاعلة ، وما كان معدولا عن
وجهه ووزنه كان مصروفا عن إعرابه ، كقوله : وما كانت أمك بغيا أسقط
الهاء ; لأنها مصروفة عن باغية . وقيل : إن هذا الكافر قال للنبي - صلى الله
عليه وسلم - : أرأيت إن سحقتها وأذريتها في الريح أيعيدها الله! فنزلت : قل
يحييها الذي أنشأها أول مرة أي : من غير شيء فهو قادر على إعادتها في
النشأة الثانية من شيء ، وهو عجم الذنب . ويقال : عجب الذنب ، بالباء . وهو
بكل خلق عليم عليم كيف يبدئ ويعيد .
الثانية : في هذه الآية دليل على أن في العظام حياة وأنها تنجس بالموت . وهو
قول أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي . وقال الشافعي - رضي الله عنه - :
لا حياة فيها . وقد تقدم هذا في [ النحل ] . فإن قيل : أراد بقوله من يحيي العظام
أصحاب العظام . وإقامة المضاف مقام المضاف إليه كثير في اللغة ، موجود
في الشريعة . قلنا : إنما يكون إذ احتيج لضرورة ، وليس هاهنا ضرورة تدعو
إلى هذا الإضمار ، ولا يفتقر إلى هذا التقدير ، إذ الباري سبحانه قد أخبر به
وهو قادر عليه ، والحقيقة تشهد له ، فإن الإحساس الذي هو علامة الحياة
موجود فيه