الحمد لله الذي بيده مقاليد الأمور ،
وبأمره تصريف الأحوال ، وهو على كلِّ شيء قدير ، وبكلِّ شيء عليم ،
والصلاة والسلام على رسول الله ، سيد ولد آدم ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
فهذه تساؤلات محرجة لمتبرجة ،
أردت من خلالها أن تنتبه الغافلة ،
وتتعلم الجاهلة ، وتثبت على طريقها كلُّ فاضلة عاقلة ،
فأقول ،
وبالله أصول وأجول :
* أختاه !
هل تتبرجين ليراك الناس بهذا اللباس ، والتبرج المزعج ؟
وتفرحين إذا التفتت إليك الأبصار وتابعتك الأنظار ؟
فأين أنت عن الله !
أين أنت عمن يراك تلبسين ما نهاك عنه وحذرك منه ؟
أما تخافين عذابه ؟ وتخشين عقابه ؟ وتهابين حسابه ؟
وبحباله أم أنَّ الدنيا أغرتك ؟
وفي أوديتها أردتك ؟ا أوثقتك ؟
هل ركنت للدنيا الفانية وغفلت عن الآخرة الباقية ؟
هل طمعت فيما يزول ؟ وانشغلت بما يحول ؟ ونسيت يوماً سيطول ؟
أعيذك بالله من كلِّ ما يؤذيك !
قال تعالى :
[ ... واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ] 1
* أختاه !
هل تحبين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ؟!
لا أشكُّ في ذلك طرفة عين
.
فهل يرضيك ـ لو أنه بُعث من قبره ـ أن يراك على هذا الوضع المزري والواقع المخزي ؟!
تصوَّري هذا بخيالك ، ثم افعلي ما بدا لك !
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :
" كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " . قالوا يا رسول الله !
ومن يأبى ؟ قال :" من أطاعني دخل الجنة ،
ومن عصاني فقد أبى " 2
ألا تخشين أنك ممن أحدثوا بعده ، وصنعوا ما لم يشرع لهم ،
وفعلوا ما لم يأذن لهم فيه ، فيطردون عنه ، ويُحرمون من حوضه ،
ويُذادون عن الشراب من يده المباركة في يوم يطول فيه الموقف ويعظم فيه الهول ؟!
وهو ينادي ويقول :" أمتي ! امتي ! " فيرد عليه :" إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك " !!
* أختاه !
أيسرُّك لو أن ملك الموت نزل إليك ، وهجم عليك ،
ليستلَّ الروح من الجسد السافر والبدن الظاهر ؛
أن تلقي الله تعالى وأنت بلباسك المتهتِّك ، وحجابك المتبرج ؟
أما تخافين من سوء الخاتمة وقبح العاقبة ؟ والمرء يُبعث يوم القيامة على ما مات عليه ،
ثم يحاسب على ما قدمته يداه بين يديه .
فيا لهف نفسي !
كم من مفضوح في يوم لقاء الله !
قال تعالى :
[ قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم
ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ] 3
* أختاه !
لو أن شقيقك طلب منك أن تختاري له زوجة صالحة ممن تعرفين من الفتيات ،
وجعل لك القرار في الاختيار ...
فهل ستختارين له تلك المتبرجة السامجة ؟!
أم أنَّك ستنصرفين عنها لتختاري له تلك اللؤلؤة المصونة والدُّرَّة المكنونة
التي تلفعت بلباسها ، وتسربلت بعباءتها ،
وحفظت نفسها من تلك النظرات الخائنة التي يرسل بها زمرة شيطانية
من الذئاب البشرية التي تحوم حول كلِّ فريسة بلهاء زجَّت بنفسها بين أنياب الذئاب
ومخالب المخربين من الشباب ؟
أنا زعيم بأنَّك ستختارين الأخرى على الأولى !
أ رأيت لمن يكون الاحترام ؟ وبمن تكون الثقة ؟
وإلى من تنصرف القلوب والعقول ؟
وتلك عاجل البشرى ، وما عند الله خيرٌ وأبقى .
* أختاه !
هل تقتدين في هذا التبرج بالمؤمنات الصالحات
من أمهات المؤمنين أو بزوجات أصحاب خير المرسلين ؟
أو بنساء أتقياء التابعين ؟
أو بالحافظات لما أمر به ربُّ العالمين ؟
أم أنَّك تتأسين بالفاسقات العاصيات من الكافرات الفاجرات
أو بالممثلات المنحرفات أو بالمغنيات المائلات أو بالضائعات الحائرات ؟!
ولا يخفاك ـ رُزقت هُداك ـ أنَّ التشبُّه في الظاهر دليل التعلُّق في الباطن ،
ومن تشبه بقوم فهو منهم ، والمرء يُحشر مع من أحبّ ..
فاختاري الرفيق في الطريق ، والموعد يوم القيامة !
عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت : لمَّا نزلت :[ يُدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ ]
خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية . 4
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول ،
لمَّا أنزل الله :[ وليضربن بخمرهن على جيوبهن ] 5
شققن أكنف ـ وفي رواية ؛ أكثف ـ مروطهنَّ فاختمرن بها . 6
فهل تستوي المستترة مع المستهترة ؟!
والمحجبة مع المتفرنجة ؟!
والتقيَّة مع الشقيَّة ؟!
تالله لا تستويان ، لا في الدنيا ، ولا يوم يبعثان !
* أختاه !
هل تعلمين أن المتبرجة السافرة مهزومة من داخلها ؟
لأنها مهزوزة الشخصية ، مطموسة الهوية ،
مسلوبة الإرادة ،
لا تعتزُّ بدينها ، ولا تفخر بعقيدتها ..
فهي تشعر بدناءة نفسها ، وتحس بضعف ثقتها بذاتها ،
فتحاول ستر هذه السوءة ، بسوءةِ التبرُّج والسفور وحبّ الظهور ،
وكم قُصمت بهذا ظُهور ؟!
فأين هي ـ أسفاً عليها ـ من تلك الواثقة بطريقها ، المُعتزَّة بدينها ،
والمستمسكة بأمر ربِّها .. فواسعداً لها !
لقد جعلت الحجاب مبدأ تعيش عليه ، لا يمكنها التنازل عنه ، وقضية تناظل من أجلها ،
فكيف تتساوى مع من تتهاوى ـ في كلِّ يوم ـ تحت أقدام أعدائها ،
يحرفونها عن مسارها كيفما أرادوا ، وهي سامعة مطيعة ، خاضعة ذليلة ،
لا رأي لها أو قرار ، ولا فكر لها أو خيار ؟!
قال تعالى :
[ أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم ] 7
* أختاه !
هل تعتقدين أن التبرج حضارة ، ومواكبة للتطور ،
ومسايرة لركب التقدم ؟
الحقيقة أنها خدعة لا أظنها تنطلي عليك ،
ولا أحسب أنك من ضحاياها ،
فالتبرج عودة للعصور الهمجية ، ورجوع لأسن الجاهلية ،
ولهذا جاء النهي الصريح في كتاب الله تعالى
عن النكوص على الأعقاب ،
والرجوع لزمن الوحش والغاب .
قال تعالى :
[ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأطعن الله ورسوله .. ] 8
فهل ترضين بأن توصفي بالجاهلية ؟
أو تنسبين إلى العصور الحجرية ؟
انتبهي من مكر الأعداء ، واحذري من كيد الشيطان ،
فالرقي والتقدم تستلزم التمسُّك بالآداب الشرعية ،
والقيم الإيمانية ،
وإلا فإنها الجاهلية الأولى ، واللوثة الكبرى ، والنكسة الأخرى !
أختاه !
هل تحتملين الحرمان من الجنة العالية لنزوة زائلة ،
ولنشوة عاجلة ؟ تمضي سريعاً كومض البرق ،
ثم يبقى الذنب في الصحيفة ، وقد يكون سبباً للحرمان من الجنة ،
فيا له من حرمان موجع وغبنٍ مفجع !
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ
( :"صِنفانِ مِن أهلِ النار لم أرَهُما . قومٌ معهُم سياطٌ كأذنابِ البقرِ يضربُونَ بها الناسَ ،
ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ ، مميلاتٌ مائلاتٌ ، رُؤسُهنَّ كأسنةِ البُختِ المائلةِ
لا يدخلنَ الجنةَ ، ولا يجدنَ ريحهَا ، وإنَّ ريحها ليُوجدُ مِن مسيرةِ كذا وكذا "9
وعن أبي أذينة الصدفي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ( ـ قال :
" خير نسائكم الودُودُ الولودُ ، المواتية ،
المواسية ؛ إذا اتَّقينَ اللهَ ،
وشرُّ نسائكم المُتبرِّجاتُ المتخيلات ، وهنَّ المنافقات ،
لا يدخل الجنة منهنَّ إلا مثلُ الغراب الأعصم "
10 وهذا الغراب في رجله ومنقاره لون أحمر ،
وهو نادر في الغربان .
أختاه !
لماذا تتبرجين ؟!
أليس ليراك الناس ، فيعجبون بك ، وينظرون إليك ،
ويثنون عليك ، ويرضون عنك ؟!
فأين أنت عن البحث الدؤوب عن رضى الرب ـ سبحانه !
أيعقل أن رضى الله تعالى آخر ما تفكرين به ،
وتبحثين عنه ؟!
أليست قلوب العباد بين يديه يقلِّبها كيف يشاء ؟!
بلى ! فلماذا لا تجعلين الهمَّ همَّاً واحداً ؟!
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت :
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :"
من التَمس رضا الله بسخط الناس ؛ رضي الله عنه ،
وأرضى عنه الناس ،
ومن التمس رضا الناس بسخط الله ، سخط الله عليه ، وأسخط عليه الناس " 11
فأفيقي ـ يا أخيَّة ـ من هذا السبات العميق ،
واحذري من آفات الطريق ،
واعلمي أن اليوم عمل ولا حساب ،
وغداً حساب ولا عمل ،
وأنك راجعة إلى الله ، وواقفة بين يديه ،
فخذي للموقف أهبته ، وللموقف عدته ،
وللسؤال إجابته ،
فلا يغرنَّك بالله الغرور ،
فإلى الله ترجع الأمور .
كل من لم يتأدب مع الله فوق الأرض
سيؤدب في كفنه تحت الأرض