نســـبه
هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشى الزهرى الفقيه أبوبكر الحافظ المدنى أحد الأئمة الأعلام و عالم الحجاز و الشام[1].
مولده:
قال الذهبى[2]: مولده فيما قاله خليفة بن ابن صالح : فى سنة خمسين ، و فيما قاله خليفة بن خياط : سنة إحدى و خمسين.
و روى عنبسة : حدثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب ( أى : الزهرى ) قال : وفدت إلى مروان و أنا محتلم ، فهذا مطابق لما قبله.
قلت : مروان هو ابن الحكم بن أبى العاص أبو عبد الملك الأموى ، ولى الخلافة فى آخر سنة أربع و ستين ، و مات سنة خمس و ستين ، وله ثلاث أو إحدى و ستون سنة . فقول الزهرى : وفدت عليه و أنا محتلم يعنى : و قد بلغ العام الثالث عشر أو الرابع عشر من عمره ن فهذا يؤيد أن مولده سنة إحدى و خمسين أو قبلها .
قال الذهبى : و أبى ذلك يحيى بن بكير، و قال : ولد سنة ست و خمسين ، حتى قال له يعقوب الفسوى : فإنهم يقولون :إنه قد وفد إلى مروان ، فقال : هذا باطل ، إنما خرج إلى عبد الملك بن مروان ، و قال : لم يكن عنبسة موضعاً لكتابة الحديث .
قلت : قال الحافظ فى التقريب[3]: عنبسة بن خالد بن يزيد الأموى، صدوق من التاسعة ، و ساق الحافظ فى التهذيب[4] كلام يحيى بن بكير و لم يتعقبه ، و ذكر فى ترجمة عنبسة أنه قد أخرج له البخارى مقروناً بغيره ، و أبو داود .
شيوخه :
قال ابن أبى حاتم فى الجرح و التعديل[5] : روى عن أنس بن مالك ، و سهل بن سعد ، وأبى الطفيل ، و السائب بن يزيد، و عبد الله بن ثعلبة بن صعير، و محمود بن الربيع، و عبد الرحمن بن أزهر، و رأى ابن عمر، و روى عن أبان بن عثمان ، و لم يسمع منه، و غيرهم .
و روى عنه :
عراك بن مالك ، و أخوه عبد الله بن مسلم ، و بكير بن الأشج ، و منصور بن المعتمر، وعمرو بن شعيب ، و يحيى بن سعيد الأنصارى ، و صالح بن كيسان، و سليمان بن يزيد ، وعقيل ، و الأوزاعى ، و الزبيدى ، و غيرهم .
نشأته:
قال ابن سعد فى الطبقات الكبرى[6] : أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز، قال : سمعت الزهرى يقول : نشأت و أنا غلام لا مال لى مُقطعاً من الديوان ، و كنت أتعلم نسب قومى من عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذرى. و كان عالماً بنسب قومى ، و هو ابن أختهم و حليفهم ، فأتاه رجل فسأله عن مسألة من الطلاق ، فعيى بها ، و أشار له إلى سعيد بن المسيب ، فقلت فى نفسى : ألا أرانى مع هذا الرجل المسن ، يعقل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مسح على رأسه ، و هو لا يدرى ما هذا! فانقطعت مع السائل إلى سعيد بن المسيب فسأله ، فأخبره ، فجلست إلى سعيد ، و تركت عبد الله بن ثعلبة ، و جالست عروة بن الزبير، و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، و أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام حتى فقهت . فرحلت إلى الشام ، فدخلت مسجد دمشق فى السحر، فأممت حلقة و جاه المقصورة عظيمة فجلست فيها ، فنسبنى القوم ، فقلت : رجل من قريش من ساكنى المدينة ، فقالوا : هل لك علم بالحكم فى أمهات الأولاد؟ فأخبرتهم بقول عمر بن الخطاب فى أمهات الأولاد . فقال لى القوم : هذا مجلس قبيصة بن ذؤيب ، وهو جائيك ، و قد سأله عبد الملك عن هذا، و سألنا فلم يجد عندنا فى ذلك علماً ، فجاء قبيصة فأخبروه الخبر، فنسبنى فانتسبت ، و سألنى عن سعيد بن المسيب و نظرائه فأخبرته ، قال : فقال أنا أدخلك على أمير المؤمنين ، فصلى الصبح ، ثم انصرف فتبعته ، فدخل على عبد الملك بن مروان ، و جلست على الباب ساعة حتى ارتفعت الشمس ، ثم خرج فقال : أين هذا المدينى القرشى ؟ قال : قلت : هأنذا، قال: فقمت حتى دخلت معه على أمير المؤمنين ، قال : فأجد بين يديه المصحف قد أطبقه ، و أمر به يرفع ، و ليس عنده غير قبيصة جالس ، فسلمت عليه بالخلافة . فقال : من أنت؟ قلت: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة. فقال : أوه ، قوم نعارون فى الفتن ، قال : و كان مسلم بن عبيد الله مع ابن الزبير . ثم قال : ما عندك فى أمهات الأولاد ؟ فأخبرته ، فقلت : حدثنى سعيد بن المسيب ، فقال : كيف سعيد ، و كيف حاله ؟ فأخبرته ، ثم قلت : و حدثنى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فسأل عنه ، قلت : و حدثنى عروة بن الزبير، فسأل عنه ، فقلت : و حدثنى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، فسأل عنه ، ثم حدثته بالحديث فى أمهات الأولاد عن عمر بن الخطاب.. قال : فالتفت إلى قبيصة بن ذؤيب . فقال : يكتب به فى الآفاق .
قال : فقلت : لا أجده أخلى منه الساعة ، و لعلى لا أدخل عليه بعد هذه المرة ، فقلت : إن رأى أمير المؤمنين أن يصل رحمى ، و أن يفرض لى فرائض أهل بيتى ، فإنى رجل مقطع لا ديوان لى فعل ، فقال : إيها الآن ! امض لشأنك. قال: فخرجت و الله مؤيساً من كل شئ خرجت له ، و أنا و الله حينئذ مقل مرمل ، فجلست حتى خرج قبيصة فأقبل على لائماً لى ، فقال : ما حملك على ما صنعت من غير أمرى ألا استشرتنى ؟ قلت : ظننت و الله أن لا أعود إليه بعد ذلك المقام ، قال : و لم ظننت ذاك ؟ تعود إليه ، فالحق بى ، أو قال : إيتنى فى المنزل. قال فمشيت خلف دابته و الناس يكلمونه حتى دخل منزله ، فقل ما لبث حتى خرج إلى خادم برقعة فيها : هذه مائة دينار قد أمرت لك بها ، و بغلة تركبها ، و غلام يكون معك يخدمك ، و عشرة أثواب كسوة، قال : فقلت للرسول : ممن أطلب هذا ؟ فقال : ألا ترى فى الرقعة اسم الذى أمرك أن تأتيه ؟ قال فنظرت فى طرف الرقعة ، فإذا فيها : تأتى فلاناً فتأخذ منه ذلك ، قال: فسألت عنه ، فقيل : ها هو ذا، هو قهرمانُهُ ، فأتيته بالرقعة ، فقال : نعم ، فأمر لى بذلك من ساعته ، فانصرفت وقد ريشنى و جبرنى ، قال : فغدوت إليه من الغد ، و أنا على بغلته و سرجها، فسرت إلى جانبه ، فقال احضر باب أمير المؤمنين حتى أوصلك إليه قال : فحضرت للوقت الذى وعدنى له فأوصلنى إليه ، و قال : إياك أن تكلمه بشىء حتى يبتدئك ، و أنا أكفيك أمره . قال : فسلمت عليه بالخلافة فأومأ إلى أن اجلس ، فلما جلست ابتدأ عبد الملك الكلام ، فجعل يسألنى عن أنساب قريش ، و هو كان أعلم بها منى ، قال : و جعلت أتمنى أن يقطع ذلك لتقدمه على فى العلم بالنسب ، قال : ثم قال لى: فرضت لك فرائض أهل بيتك ، ثم التفت إلى قبيصة فأمره أن يثبت ذلك فى الديوان ، ثم قال : أين تحب أن يكون ديوانك ، أمع أمير المؤمنين ها هنا ؟ أم تأخذه ببلدك ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين ، أنا معك ، فإذا أخذت الديوان أنت و أهل بيتك أخذته ، قال : فأمر بإثباتى، و بنسخة كتابى أن يوقع بالمدينة ، فإذا خرج الديوان لأهل المدينة قبض عبد الملك بن مروان و أهل بيته ديوانهم بالشام .
قال الزهرى: ففعلت أنا مثل ذلك ، و ربما أخذته بالمدينة ، لا أصد عنه . قال : ثم خرج قبيصة بعد ذلك ، فقال : إن أمير المؤمنين قد أمر أن تثبت فى صحابته ، و أن يجرى عليك رزق الصحابة ، و أن ترفع فريضتك إلى أرفع منها فالزم باب أمير المؤمنين ، قال : و كان على عرض الصحابة رجل فظ غليظ يعرض عرضاً شديداً ، قال : فتخلفت يوماً أو يومين فجبهنى جبهاً شديداً ، فلم أعد لذلك التخلف ، و كرهت أن أقول لقبيصة شيئاً فى أول ذلك ، و لزمت عسكر عبد الملك ، و كنت أدخل عليه كثيراً ، قال : و جعل عبد الملك فيما يسألنى يقول : من لقيت ؟ فجعلت أسمى له ، و أخبره بما لقيت من قريش ،لا أعدوهم ، فقال عبد الملك : فأين أنت عن الأنصار ؟ فإنك واجد عندهم علماً، أين أنت عن ابن سيدهم خارجة بن زيد بن ثابت ؟ أين أنت عن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية ؟ قال فسمى رجالاً منهم ، قال: فقدمت المدينة فسألتهم و سمعت منهم ، يعنى الأنصار ، وجدت عندهم علماً كثيرا ً، قال : و توفى عبد الملك بن مروان ، فلزمت الوليد بن عبد الملك حتى توفى ، ثم سليمان بن عبد الملك ، و عمر بن عبد العزيز، و يزيد بن عبد الملك فاستقضى يزيد بن عبد الملك على قضائه الزهرى ، و سليمان بن حبيب المحاربى جميعا ً قال : ثم لزمت هشام بن عبد الملك . قال : و حج هشام سنة ست و مائة ، و حج معه الزهرى ، فصيره هشام مع ولده يعلمهم و يفقههم و يحدثهم و يحج معهم ، فلم يفارقهم حتى مات بالمدينة .
أخبرنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد، عن معمر قال : أول ما عرف الزهرى أنه كان فى مجلس عبد الملك بن مروان ، فسألهم عبد الملك ، فقال : من منكم يعلم ما صنعت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين ؟ قال : فلم يكن عند أحد منهم من ذلك علم ، فقال الزهرى: بلغنى أنه لم يقلب منها يومئذ حجر إلا وجد تحته دم عبيط ، قال : فعرف من يومئذٍ.
و قال الذهبى فى السير[7]:
قال ابن وهب : حدثنى يعقوب بن عبد الرحمن ، قال :رأيته رجلاً قصيراً، قليل اللحية ، له شعيرات طوال ، خفيف العارضين . يعنى : الزهرى .
معن بن عيسى .عن ابن أخى الزهرى ، قال : جمع عمى القرآن فى ثمانين ليلة .
الحميدى عن سفيان : قال : رأيت الزهرى أحمر الرأس و اللحية ، فى حمرتها انكفاء ، كأنه يجعل فيها كتما ، و كان رجلاً أعيمش.. و له جمة ، قدم علينا ثلاث و عشرين و مائة فأقام إلى هلال المحرم سنة أربع ، و أنا يومئذ ابن ستة عشرة سنة .
معمر عن الزهرى ، قال : مست ركبتى ركبة سعيد بن المسيب ثمانى سنين .
الزبير فى النسب له : حدثنى محمد بن حسن، عن مالك ، عن ابن شهاب ، قال : كنت أخدم عبيد الله بن عبد الله ، حتى إن كنت أستقى له الماء المالح ، و كان يقول لجاريته : من بالباب ؟ فتقول: غلامك الأعمش .
ابن أبى الزناد ، عن أبيه ، قال : كنا نكتب الحلال و الحرام ، و كان ابن شهاب يكتب كل ما سمع . فلما احتيج إليه . علمت أنه أعلم الناس ، و بصر عينى به ، و معه ألواح أو صحف ، يكتب فيها الحديث ، و هو يتعلم يومئذ. و عن أبى الزناد . قال : كنت أطوف أنا و الزهرى ، و معه الألواح و الصحف ، فكنا نضحك به .
ابن وهب ، عن الليث : كان ابن شهاب يقول : ما استودعت قلبى شيئاً قط فنسيته ، و كان يكره أكل التفاح ، و سؤر الفأر، و كان يشرب العسل ، و يقول : إنه يذكر ، ولفائد بن أقرم يمدح الزهرى :
ذر ذا وأثن على الكريم محمد
و اذكر فواضله على الأصحاب
و إذا يقال : من الجواد بماله ؟
قيل : الجواد محمد بن شهاب
[1] تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر 9/445
[2] سير أعلام النبلاء 5/326
[3] تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني 1/432
[4] تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني 8/154
[5] الجرح و التعديل لابن أبى حاتم 8/71
[6] الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد 4/102
[7] سير أعلام النبلاء 5/332