- أبرزت لنا السنة المطهرة في أحاديث عديدة قيمة الوقت وبخاصة عن الأبناء من الشباب، والحرص عليه، وعدم إضاعته، والمؤمن المكلف يُحْسِن إدارة الوقت واستغلال كل دقيقة منه، وجعله الإطار الذي يُنَمّى فيه الإبداع.
وفي بيان أهمية هذه القيمة الثمينة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :\"لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به\" (الترمذيّ بإسناد صحيح). فالهدي النبوي يربي الوعي بقيمة الزمن، ويدعوه إلى المسارعة إلى اغتنام هذه القيمة، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك، وقوتك قبل ضعفك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك)(رواه الحاكم في المستدرك،341،4، وصححه الألباني في صحيح الجامع من حديث ابن عباس رضي الله عنهما).
- إن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أركان التربية والتعليم ومقوماتهما، أن يُطالِب المرء ببلوغ الغاية في إحسان العمل وإتقانه وفق أحسن المواصفات، قال الله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾. البقرة 195. إن الله تعالى قد أحسن في خلقه الكون ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ السجدة 7، لذا فقد طلب من عباده أن يُحسنوا ويبلغوا هذا المقام فيما أقامهم فيه، وفيما كلّفهم به.أخرج الإمام مسلم عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد شفرته وليرح ذبيحته). ومَنْ تدبر هذا الحديث وجده يشمل ظاهر الدين وباطنه، ويشمل العقيدة والشريعة، والعبادة والسلوك.
- لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يولي الطفولة عنايته، وهذا هديٌ بثّه في نفوس أصحابه الذين كانوا يصطحبون أطفالهم في مجالس الكبار، لتُبْنى شخصيةُ الطفل فتكبر، ولا شك أن احتكاك الصغار بالكبار له فاعلية في تنمية الشخصية، ويشجعها. روى ابن عمر - وهو لا يزال غلاماً - قصته في مجلس كبار الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ من الشجر شجرة مَثَلها مَثَل المسلم، فأردت أن أقول هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم، فسكتُ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : \"هي النخلة\". وللبخاري في الأطعمة قال ابن عمر: فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم. إذن ها هو ابن عمر الأصغر سناً يخالط الكبار، ويصغي إلى أحاديثهم، ومن ثم يكون كبيراً ذا همة عالية.
- إن الكشف عن نبوغ الطفل مبكراً وتحسّس جوانب تفوقه ورعايتها هو منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربيته لصحابته, هذا زيد بن ثابت كان ابن إحدى عشرة سنة حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد كان غلاما ذكيا فطنا تبدو عليه علامات النبوغ. قال زيد بن ثابت: أُتِي بي النبي صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة فقالوا: يا رسول الله هذا غلام بني النجار وقد قرأ مما أُنزل عليك سبع عشرة سورة، فقرأتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبه ذلك وقال: يا زيد تعلم لي كتاب يهود فإني والله ما آمنهم على كتابي، فما مضى لي نصف شهر حتى حذقتُه، وكنت أكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كتب إليهم.
- هذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يروي من وقائع معركة بدر قال: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفتُ فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السنّ، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحُدهما سراً مِنْ صاحبه: يا عم أرني أبا جهل. فروى قصة قتلهما أبا جهل.هذان الفتيان بَدَرَ منهما ما لم يتفطن الكبار له، رَغِبا في الانتقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان منهما الموقف الناضج، وكان منهما التخطيط والتدبير، ثم إننا نلحظ التنافس بينهما على بلوغ الهدف العظيم، وأيّ هدف أعظم من تحقيق نصرٍ مظفر، واجتثاث رأس الكفر الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه أحمد بسنده إلى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب مع ابن مسعود ليرى جسد أبي جهل فقال: \"كان هذا فرعون هذه الأمة\".
- لعل حاجة الأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة، لتوفير سبل وإمكانيات التربية والتعليم و\" الأمن النفسي\" أكبر وآكد من أسوياء الغلمان ومن ينشئون وسط أسرهم المعتادة. لذا نجد الإسلام ينهى عن الإساءة إليهم والانتقاص من حقوقهم، يقول تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر) الضحى:9، ويقول تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً) النساء:2• ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : \"خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسن إليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساء إليه، ثم أشار بإصبعيه السبابة والوسطى: أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين(رواه البخاري).
- وكان من نهجه الحرص علي نجاة غير المسلمين، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض الغلام فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: (يا غلام أسلم قل لا إله إلا الله فجعل الغلام ينظر إلى أبيه فقال له أبوه قل ما يقول لك محمد صلى الله عليه وسلم فقال لا إله إلا الله وأسلم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه صلوا عليه وصلى عليه النبي) صلى الله عليه وسلم المستدرك ج4/ص323).
- ويبقي انه حال انقطع عمل المرء فسيبقي ما ترك من عمل صالح يجدد له ويرفده بعمل جديد بعد الممات:
ففي الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال .إذا مات ابن آدم أنقطع عنه عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له \"(رواه مسلم 14,1631(.
جملة القول: أنها مشاهد سريعة لهديه صلى الله عليه وسلم ، ونهجه أفضل طرائق التربية، وأقوم وسائل التعليم، واغزها تنوعاً، وأيسرها تطبيقاً، وأبلغها أثرا، وصل اللهم علي معلم الناس الخير.