الحذر و الحيطة :
هذا العدو الخبيث حريص على إضلال بني آدم و قد علمنا أهدافه و وسائله في الإضلال فبمقدار علمك بهذا العدو (أهدافه و وسائله و السبل التي يضلنا بها) تكون النجاة منه أما إذا كان الإنسان غافلا عن هذه الأمور فإن عدوه يأسره و يوجهه الوجهة التي يريد.
و قد صور ابن الجوزي هذا الصراع بين الإنسان و الشيطان حيث يقول ( و اعلم أن القلب كالحصن و على ذلك الحصن سور و للسور أبواب و فيه ثلم و ساكنه العقل و الملائكة تتردد على ذلك الحصن و إلى جانبه ربض فيه الهوى و الشياطين تختلف إلى ذلك الربض من غير مانع و الحرب قائمة بين أهل الحصن و أهل الربض و الشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غفلة الحارس و العبور من بعض الثلم .
فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وكل بحفظه و جميع السلم و ألا يفتر عن الحراسة لحظة فإن العدو لا يفتر قال رجل للحسن البصري أينام إبليس قال لو نام لوجدنا راحة.
و هذا الحصن مستنير بالذكر مشرق بالإيمان و فيه مرآة صقيلة يتراءى فيها صورة كل ما يمر به فأول ما يفعل الشيطان في الربض إكثار الدخان فتسود حيطان الحصن و تصد المرآة و كمال الفكر برد الدخان و صقل الذكر يجلو المرآة و للعدو حملات فتارة يحمل فيدخل الحصن فيكر عليه الحارس فيخرج و ربما دخل فعاث و ربما أقام لغفلة الحراس و ربما ركدت الريح الطاردة للدخان فتسود حيطان الحصن و تصد المرآة و كمال الفكر برد و صقل الذكر يجلوا المرآة و للعدو حملات فتارة يحمل فيدخل الحصن فيكر عليه الحارس فيخرج و ربما دخل فعاث و ربما أقام لغفلة الحراس و ربما ركدت الريح الطاردة للدخان فتسود حيطان الحصن و تصدأ المرآة فيمر الشيطان و لا يدري به و ربما جرح الحارس لغفلته و أسر و استخدم و أقيم يستنبط الحيل في موافقة الهوى و مساعدته
الالتزام بالكتاب و السنة
أعظم سبيل للحماية من الشيطان هو الالتزام بالكتاب و السنة قولا و عملا فالكتاب و السنة جاءا بالصراط المستقيم و الشيطان يجاهد كي يخرجنا عن هذا الصراط قال تعالى ( و أن صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصلكم به لعلكم تتقون ) الأنعام 153.
و قد شرح لنا الرسول صلى الله عليه و سلم هذه الآية فعن عبد الله بن مسعود قال: خط لنا الرسول صلى الله عليه و سلم خطا، ثم قال ( هذا سبيل الله ) ثم خط خطوطا عن يمينه و شماله و قال ( هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ) و قرأ ( و أن هذا صراطي مستقيما فأتبعوا ) رواه الإمام أحمد و النسائي و الدرامي .
فاتباع ما جاءنا من عند الله من عقائد و أعمال و أقوال و عبادات و تشريعات و ترك ما نهى عنه يجعل العبد في حرز من الشيطان و لذلك قال الله سبحانه و تعالى:( يا أيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كافة و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) البقرة 208.
و السلم : هو الإسلام و قيل طاعة الله و فسره مقاتل بأنه العمل بجميع الأعمال و وجوه البر و على ذلك فقد أمرهم بالعمل بجميع شعب الإيمان و شرائع الإسلام ما استطاعوا و نهاهم عن اتباع خطوات الشيطان فالذي يدخل في الإسلام مبتعد عن الشيطان و خطواته و الذي يترك شيئا من الإسلام فقد اتبع خطوات الشيطان و لذلك كان تحليل ما حرم الله، و تحريم ما أحل الله أو الآكل من المحرمات و الخبائث كل ذلك من اتباع خطوات الشيطان التي نهينا عنها ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا و اتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) البقرة 168.
و إن الالتزام بالكتاب و السنة قولا و عملا يطرد الشيطان و يغيظه أعظم إغاظة و روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إذ قرأ إبن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان و بكي يقول يا ويله ( و في رواية أبي كريب يا ويلي) أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة و أمرت بالسجود فأبيت فلي النار ).
الالتجاء إلى الله و الاحتماء به
خير سبيل للاحتماء من الشيطان و جنده هو الإلتجاء إلى الله و الإحتماء بجواره سبحانه و الاستعاذة به من الشيطان فإنه عليه قادر فإذا أجار عبده فأنى يخلص الشيطان إليه قال تعالى ( خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين * و إما ينزغنك الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) الأعراف 199- 200 .
و قد أمر الرسول صلى الله عليه و سلم بالاستعاذة بالله من همزات الشياطين و حضورهم : ( و قل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * و أعوذ بك رب أن يحضرون ) المؤمنون 97-98.
و همزات الشياطين نزغاتهم و وساوسهم فالله يأمرنا بالإستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة إذا لا يقبل مصانعة و لا إحسانا و لا يبتغي غير هلاك ابن آدم لشدة العداوة بينه و بين أبيه آدم.
يقول ابن كثير في تفسيره:و الاستعاذة هي الالتجاء إلى الله تعالى من شر كل ذي شر... و معنى ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) أي أستجير ب الله من الشيطان الرجيم لا يضرني في ديني و دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به أو يحثني على فعل ما نهيت عنه فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله و أمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة و لا يؤثر فيه جميل لأنه شرير بالطبع و لا يكفه عنك إلا الذي خلقه .
و قد كان الرسول صلى الله عليه و سلم يكثر من الإستعاذة بربه من الشيطان بصيغ مختلفة فكان يقول بعد دعاء الاستفتاح في الصلاة ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه و نفخه و نفثه ) و روى ذلك أصحاب السنن الأربعة و غيرهم عن أبي سعيد .
مواضع الإستعاذة
الاستعاذة عند دخول الخلاء:
و كان إذا دخل الخلاء يستعيذ من الشيطانين ذكور هم و إناثهم، كما في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخل الخلاء قال:( اللهم إني أعوذ بك من الخبز و الخبائث ) . و في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :( إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل : أعوذ بالله من الخبث و الخبائث ).
الاستعاذة عند الغضب
عن سليمان بن صرد قال استب رجلان عند النبي صلى الله عليه و سلم و نحن عنده جلوس و أحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( إني أعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ). رواه البخاري و مسلم.
و قد علم الرسول صلى الله عليه و سلم أبا بكر إذا أصبح و إذا أمسى أن يقول
( اللهم فاطر السماوات و الأرض عالم الغيب و الشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء و مليكه أعوذ بك من شر نفسي و شر الشيطان و شركه و أن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم ) رواه الترمذي
الاستعاذة عند الجماع
و حثنا على الإستعاذة حين يأتي الرجل أهله فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان و جنب الشيطان ما رزقنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا ) متفق عليه.
الاستعاذة عند نزول واد أو منزل
و إذا نزل المرء واديا أو منزلا فعليه أن يستعيذ بالله لا كما كان يفعل أهل الجاهلية يستعيذون بالجن و الشياطين فيقول قائلهم أعوذ بزعيم هذا الوادي من سفهاء قومه فكانت العاقبة أن استكبرت الجن و آذتهم كما حكى الله عنهم في سورة الجن( و أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) الجن 6. أي الجن زادت الإنس رهقا و قد علمنا الرسول صلى الله عليه و سلم كيف نستعيذ بالله عندما ننزل منزلا فعن خولة بنت حكيم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( لو أن أحدكم إذا نزل منزلا قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره في ذلك المنزل شيء حتى ترحل منه) رواه ابن ماجة بإسناد صحيح.
التعوذ بالله من الشيطان عند سماع نهيق الحمار
يقول الرسول صلى الله عليه و سلم ( إذا نهق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم ). رواه الطبراني في معجمه الكبير بإسناد صحيح و قد أخبرنا الرسول صلى الله عليه و سلم أن الحمار إذا نهق فإنه يكون قد رأى شيطانا .
التعوذ حين قراءة القران
قال تعالى: ( فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، إنه ليس له سلطان على الذين ءامنوا و على ربهم يتوكلون ) النحل 98- 99. و قد بين ابن القيم الحكمة في الإستعاذة بالله من الشيطان حين قراءة القرآن، فقال :
1- إن القرآن شفاء لما في الصدور يذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس و الشهوات و الإرادات الفاسدة فهو دواء لما أمره الشيطان فيها فأمر أن يطرد مادة الداء، و يخلي منه القلب .
2- و منها : أن القرآن مادة الهدى و العلم و الخير في القلب كما أن الماء مادة النبات و الشيطان نار يحرق النبات أولا فأولا فكلما أحس بنبات الخير من القلب سعى في إفساده و إحراقه فأمر أن يستعيذ بالله عز و جل منه لئلا يفسد عليه ما يحصل له بالقرآن.
و الفرق بين هذا الوجه و الوجه الذي قبله أن الإستعاذة في الوجه الأول لأجل حصول فائدة القرآن و في الوجه الثاني لأجل بقائها و حفظها.
3- و منها أن الملائكة تدنو من قارئ القرآن و تسمع لقراءته كما في حديث أسيد بن حضير لما كان يقرأ و رأى مثل الظلة فيها المصابيح فقال عليه الصلاة و السلام:( تلك الملائكة ) و الشيطان ضد الملك و عدوه فأمر القارئ أن يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه أن يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه حتى يحضره خاص ملائكته فهذه منزلة لا يجتمع فيها الملائكة و الشياطين.
4- و منها أن الشيطان يجلب للقاري بخيله و رجله حتى يشغله عن المقصود بالقرآن و هو تدبيره و تفهمه و معرفة ما أراد المتكلم به سبحانه فيحرص بجهده على أن يحول بين قلبه و بين مقصود القرآن فلا يكمل انتفاع القارئ به فأمر عند الشروع في القراءة أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
5- و منها : أن القارئ يناجي الله تعالى بكلامه و الله أشد أذنا للقارئ الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته و الشيطان إنما قراءته الشعر و الغناء فأمر القارىء أن يطرد بالإستعاذة عند مناجاة الله تعالى و استماع الرب قراءته.
6- و منها : أن الله سبحانه أخبر أنه ما أرسل من رسول و لا نبي إلا إذا تمنى ألقي الشيطان في أمنيته و السلف كلهم على أن المعنى إذا تلا ألقي الشيطان في تلاوته.. فإذا كان هذا مع الرسل عليهم الصلاة و السلام فكيف بغيرهم. و لذا يغلط الشيطان القارئ تارة، و يخلط عليه القراءة، و يوشوشها عليه، فيخبط عليه لسانه، أو يوشوش عليه ذهنه و قلبه، فإذا حضر عند القراءة، لم يعدم منه القارئ، هذا أو هذا و ربما جمعها له.
7- و منها : أن الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان بالخير، أو يدخل فيه، فهو يشتد عليه حينئذ؛ ليقطعه عنه".
تعويذ الأبناء و الأهل
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان الرسول صلى الله عليه و سلم يعوذ الحسن و الحسين:( أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان و هامة، و من كل عين لامة ) . و يقول ( إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل و إسحاق ). رواه البخاري.
خير ما يتعوذ به المتعوذون
و خير ما يتعوذ به سورتا الفلق و الناس، فقد أمر الرسول صلى الله عليه و سلم عبد الله بن خبيب أن يقرأ :( قل هو الله أحد )، و المعوذتين حين يمسي و حين يصبح، ثلاثا و قال له( يكفيك الله كل شيء ). و في رواية أخرى أمره بقراءة المعوذتين، ثم قال له:( ما تعوذ الناس بأفضل منهما ).
و في بعض الروايات : أن هذه القصة كانت مع عقبة بن عامر، و في رواية أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال لابن عباس الجهني :( إن أفضل ما تعوذ به المتعوذون المعوذتان ). و قال الرسول صلى الله عليه و سلم في بعض روايات حديث عقبة ( ما سأل سائل بمثلهما، و لا استعاذ مستعيذ بمثلهما ).
كيف تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا
حكي عن أحد علماء السلف أنه قال لتلميذه ما تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا قال أجاهده قال فإن عاد قال أجاهده قال فإن عاد قال أجاهده.
قال هذا يطول أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها أو منعك من العبور ما تصنع قال أكابده جهدي و أرده قال هذا أمر يطول لكن استعن بصاحب الغنم يكفه عنك .
و هذا فقه عظيم من العلم الجليل فإن الاحتماء بالله و الالتجاء إليه هو السبيل القوي الذي يطرد الشيطان و يبعده و هذا ما فعلته أم مريم إذ قالت ( و إني أعيذها بك و ذريتها من الشيطان الرجيم )آل عمران 36.
كابتن ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــامى
منقول