أحباتي في الله
أخواتي في الإسلام
لقد أقام الإسلام نظام الأسرة على أسس سليمة تتفق مع ضرورة الحياة وتتفق مع حاجات الناس وسلوكهم، واعتبر الغريزة العائلية من الغرائز الذاتية التي منحها الله للإنسان قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} - سورة الروم: 20 – فهذه الظاهرة التي فطر عليها الإنسان منذ بدء تكوينه من آيات الله ومن نعمه الكبرى على عباده.
وشيء آخر جدير بالاهتمام هو أن الإسلام يسعى إلى جعل الأسرة المسلمة قدوة حسنة وطيبة تتوفر فيها عناصر القيادة الرشيدة قال تعالى حكاية عن عباده الصالحين: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} - سورة الفرقان: 74 - وأهم قاعدة من قواعد التربية أن توجد عملياتها التربوية القدوة الحسنة، والمثل الأعلى للخير والصلاح.
وقد ألمعنا في بحوث الوراثة إلى اهتمام الإسلام البالغ على أن تقوم الرابطة الزوجية على الاختبار والفحص حذراً من أن يكون أحد الزوجين مصاباً ببعض العاهات فتسري إلى أبنائهم فينشأ في المجتمع أفراد مشوهون في سلوكهم واتجاهاتهم، كما جعل الإسلام لأب الفتاة ولاية عليها، وشرّك بينهما في اختيار الزوج الصالح لها حذراً من أن تختار بمفردها زوجاً من ذوي العاهات فتجر لنفسها الويلات والشقاء، وتبتلي منه بذرية طالحة تشقى ويشقى بهم المجتمع، ومن الطبيعي أنها لا تحسن اختيار الزوج الصالح لها فإنها لا تعلم من الحياة إلا قشورها، وهي تحكم على خطيبها بما يبديه لها من حديث مصطنع ووعود خلاّبة، وما ينمقه لها من رسائل الغرام، أو ما يتمتع به من حسن الصورة والتجميل والتزيين بالأزياء المغرية وهي ـ بصورة جازمة ـ لم تطلّع على مكر الحياة وخبث الفاسقين، وكيد العاشقين، ولم تعرف كذب الوعود، ورياء العهود، ولم تفقه أن الزواج السعيد الذي يحقق أحلامها وآمالها إنما يكون إذا اقترنت برجل شريف النفس كريم الخلق، صادق الإيمان حتى يعني بشؤونها وحقوقها، وتنجب منه الذرية الطيبة التي تكون قرّة عين لها في حال كبرها وشيخوختها... وهذا هو ما يريده الإسلام لها.
وعلى أي حال فإن نظام الأسرة الذي سنّه الإسلام يقوم على أساس من الوعي والعمق لما تسعد به الأسرة، ويؤدي إلى تماسكها وترابطها من الناحية الفيزيولوجية، والنفسية، والاجتماعية، بحيث ينعم كل فرد منها، ويجد في ظلالها الرأفة والحنان والدعة والاستقرار.
إن الإسلام يحرص كل الحرص على أن تقوم الرابطة الزوجية ـ التي هي النواة الأولى للأسرة ـ على المحبة، والتفاهم والانسجام، وهو الزواج المثالي الذي عناه (هاميلوك اليس) بقوله: (لا يقوم الزواج المثالي حقاً على توافق الشهوة فقط، وإنما يقوم على اتحاد غير شهواني، أساسه مودّة عميقة تتوثق على ممر الأيام وتشمل شتى نواحي الحياة، وهو اتفاق الأذواق، والمشاعر والميول، وهو اتفاق على الحياة المشتركة، بما قد تستلزمه من أعباء الأبوة). (مأخوذ عن مقال نشر بجريدة الأخبار المصرية بعنوان نظرة في كتاب التربية الجنسية للدكتور هاميلوك اليس)
وهذا هو ما ينشده الإسلام في الرابطة الجنسية أن تكون مثالية، وتقوم على أساس وثيق من الحب والتفاهم حتى تؤدي العمليات التربوية الناجحة أثرها في تكوين المجتمع السليم.
ولقد شرع الإسلام جميع المناهج الحية الهادفة إلى إصلاح الأسرة ونموّها وازدهار حياتها، فعني بالبيت عناية خاصة، وشرع آداباً مشتركة بين أعضاء الأسرة، وجعل لكل واحد منها واجبات خاصة تجاه أفراد أسرته، وهي مما تدعو إلى الترابط، بالإضافة إلى أن لها دخالة إيجابية في التكوين التربوي... ولابد لنا من عرض ذلك، على سبيل الإيجاز.
أهمية البيت
وللبيت أهميته البالغة في التربية، فمن طريقه تحقّق البيئة الاجتماعية آثارها التربوية في الأطفال (كيف نزرع حب القرآن الكريم في صدور أطفالنا ؟)، فبفضله تنتقل إليهم تقاليد أمتهم، ونظمها، وعرفها الخلقي، وعقائدها وآدابها وفضائلها، وتاريخها، وكثير مما أحرزته من تراث في مختلف الشؤون، فإن وفق المنزل في أداء هذه الرسالة الجليلة حققت البيئة الاجتماعية آثارها البليغة في التربية، وإن فسد المنزل، فإن الطفل (كيف نزرع حب القرآن الكريم في صدور أطفالنا ؟) حتما يفسد، ولا تكون له أية شخصية. إن المنزل يقوم بأكثر من دور في حياة الطفل (كيف نزرع حب القرآن الكريم في صدور أطفالنا ؟)، فهو المنبع الطبيعي للعطف والحنان، فمنه يستمد حياته المطمئنة الهادئة.. (عوامل التربية: ص90، التعليم: ص87، الأسرة والمجتمع: ص19)
وقد عني الإسلام به عناية خاصة فأمر بأن تسود فيه المحبة والمودة، وترك الكلفة، واجتناب هجر القول ومرّه، فإن لذلك أثراً عميقً في تكيّف الطفل (كيف نزرع حب القرآن الكريم في صدور أطفالنا ؟)، وإذا لم يوفق البيت لأداء مهمته، فإن الطفل (كيف نزرع حب القرآن الكريم في صدور أطفالنا ؟) يصاب بانحرافات خطيرة، منها القضاء على شعوره بالأمن، وتحطيم ثقته بنفسه، وغير ذلك مما نص عليه علماء النفس.
المناهج المشتركة
وجعل الإسلام مناهجاً مشتركة بين جميع أعضاء الأسرة، ودعاهم إلى تطبيقها على واقع حياتهم حتى تخيّم عليهم السعادة، ويعيشون جميعاً في نعيم و تلك المناهج هي:
1ـ الحب والمودة:
دعا الإسلام إلى سيادة الحب والمودة والتآلف بين أفراد الأسرة وأن يجتنبوا عن كل ما يعكر صفوة الحياة والعيش، وتقع المسؤولية بالدرجة الأولى على المرأة (أختي المسلمة . إن لزوجك عليك حقاً عظيما فأرجوا منك ألا تتهاوني فيه) فإنها باستطاعتها أن تحوّل البيت إلى روضة أو جحيم، فإذا قامت بواجبها، ورعت ما عليها من الآداب كانت الفذة المؤمنة فقد أثر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن شخصاً جاءه فقال له: "إن لي زوجة إذا دخلتُ تلقّتني، وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت ما يهمك؟ إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هماً".
فانبرى (صلّى الله عليه وآله وسلم) يبدي إعجابه وإكباره بها وقال: "بشّرها بالجنة، وقل لها: إنك عاملة من عمال الله". (مكارم الأخلاق: ج1، ص229)
وإذا التزمت المرأة برعاية زوجها، وأدّت حقوقه وواجباته (أختي المسلمة . إن لزوجك عليك حقاً عظيما فأرجوا منك ألا تتهاوني فيه) شاعت المودة بينها وتكوّن رباط من الحب العميق بين أفراد الأسرة الأمر الذي يؤدي إلى التكوين السليم للتربية الناجحة.
2ـ التعاون:
وحث الإسلام على التعاون فيما بينهما على شؤون الحياة، وتدبير أمور البيت وأن يعيشوا جميعاً في جو متبادل من الود والتعاون، والمسؤولية تقع في ذلك على زعيم الأسرة وهو الزوج، فقد طلب الإسلام منه أن يقوم برعاية زوجته ويشترك معها في شؤون منزله، فقد كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) يتولى خدمة البيت مع نسائه، وقال: (خدمتك زوجتك صدقة) وكان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يشارك الصدّيقة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) في تدبير شؤون المنزل ويتعاون معها في إدارته، ومن الطبيعي أن ذلك يخلق في نفوس الأبناء روحاً من العواطف النبيلة التي هي من أهم العناصر الذاتية في التربية السليمة.
3ـ الاحترام المتبادل:
وحث الإسلام على تبادل الاحترام، ومراعاة الآداب بين أعضاء الأسرة فعلى الكبير أن يعطف على الصغير، وعلى الصغير أن يقوم بإجلال الكبير وتوقيره، فقد أثر عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال في جملة وصاياه العامة: "فليعطف كبيركم على صغيركم، وليوقر صغيركم كبيركم.." إن مراعاة هذه الآداب تخلق في داخل البيت جواً من الفضيلة والقيم الكريمة، وهي توجب تنمية السلوك الكامل في نفس الطفل، (كيف نزرع حب القرآن الكريم في صدور أطفالنا ؟)وتبعثه إلى الانطلاق في ميادين التعاون مع أسرته ومجتمعه، وقد ثبت في علم التحليل النفسي بأن قيم الأولاد الدينية والخلقية (كيف نزرع حب القرآن الكريم في صدور أطفالنا ؟)إنما تنمو في محيط العائلة. (كيف تساعد أبناءك في المدرسة: ص193)
وهكذا.. يقيم الإسلام علاقات الأسرة على أساس وطيد، ويرسم لها قوانين ومناهج تلتقي على خط المساواة والعدالة. لكي تغمر السعادة حياة الأسرة المسلمة. ولكي تسير نحو ينابيع الهناء، والسلامة.